حول قوله تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر ..}


 ﴿ٱلشیطـٰن یعدكم ٱلفقر ویأمركم بٱلفحشاء وٱلله یعدكم مغفرة منه وفضلا وٱلله و ٰ⁠سع علیم﴾ [البقرة ٢٦٨]


وهنا سؤال لماذا لم يكن وعد الشيطان بالفقر يقابله وعد الله بالغنى؟

وتأمل في هذا قليلا فإن الفقر هو الخلو والإفلاس في الدنيا وأصل الفقر في اللغة: كسر الفَقَار، وأصل مفردته ممن ألصق العوز فقرات ظهره بالأرض فيسمى فقيرا ويُقرن بين الكفر والفقر 

فيكون الكفر هو الإفلاس من الدين بجحده وما يتبعه من حرمان فضل الله تعالى ورحمته في الآخرة 

كما الفقر إفلاس من الدنيا وأرزاقها 

وكان من دعاء النبي ﷺ 

«اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر»


ووعد الشيطان بالفقر له معنيان: 

الأول: ما يعد به من الفقر حقيقة فيخوف به عباد الله تعالى فيصدهم عن النفقة في سبيل الله أو عن فعل المعروف وبذل الإحسان 

والثاني: وعده بالفقر بما يأمر به من المعاصي ومخالفة أمر الله تعالى والتي تؤول بصاحبها إلى محق البركة والفضل والعقوبة بالعوز والفقر


وأمر الشيطان بالفحشاء على معنيين كذلك: أمرا مباشرا وأمرا ضمنيا

فالأول: ما يأمر به مباشرة من فعل الفواحش والمنكرات 

والثاني: ما يأمر به ضمنا من اليأس من رحمة الله وسوء الظن به تعالى وبوعده بالمغفرة والعفو عن الذنوب والخطايا 


ولما ذكر ربنا جل وعلا وعد الشيطان بالفقر وأمره بالفحشاء

ذكر في مقابله وعد الرحمن بالمغفرة والفضل والفضل هو الزيادة في خيري الدنيا والآخرة 

فوعد الله تعالى بالمغفرة في مقابل أمر الشيطان بالفحشاء ووعد الله جل وعلا بالفضل في مقابل وعد الشيطان بالفقر 


ويبقى السؤال لما لم يذكر الله تعالى الوعد بالغنى صراحة في مقابل وعد الشيطان بالفقر؟ ومعلوم أن الفقر يقابله الغنى؟ ولما قدم الوعد بالمغفرة على الوعد بالفضل؟ 


وفي هذا معنى شريف عظيم 

وكأن (الوعد بمغفرة الذنوب والخطايا) وما تستلزمه المغفرة من خوف الله تعالى والإقبال عليه وما تتطلبه المغفرة من ضرورة توافر أسبابها في العبد من القيام بأمر الله تعالى واجتناب نهيه والعمل بطاعته 

وما كذلك في (الوعد بالفضل) من استلزامه لصدق الرجاء في الله تعالى وحسن الظن به والرضا عنه وعن قضائه وقدره 

فتصديق هذين الوعدين بما احتواه من معاني جليلة 

هو حقيقة الغنى المرجو 

فإن الغنى ليس بكثرة العرض من الدنيا بل الغنى «غنى النفس» كما جاء في حديث النبي ﷺ 

فمهما ملك العبد من الدنيا مع وعد إبليس له بالفقر وتأيسه له من مغفرة الله تعالى وفضله 

وما ينتج عن تلك الحالة النكدة من أدواء سوء كالبخل والشح والحرص 

وقد نص الكثير من السلف على أن المعني بالفحشاء في هذه الآية خاصة هو (البخل) وهو أول دركات الحرص والشح المهلك للنفوس فمهما ملك العبد من أعراض الدنيا وفي قلبه داء من تلك الأدواء العسرة فهو فقير حقيقة لم يذق للغنى طعما 


ثم تأمل أن وعد الشيطان يعقبه أمره بالفحشاء وهي كل ما اجتمعت عليه استقباحات الطبع والعقل والشرع ،


وقد يرد سؤال كذلك لما تبع وعد إبليس أمرٌ بالفحشاء فهو يعد ويأمر في مقابل أن وعد الله تعالى لم يتبعه أمرٌ بشيء؟


فيقال أن إبليس هو سيد أهل العجلة فالعجلة من الشيطان وهو على أحرّ ما يكون رغبة في اغواء بني آدم وإيقاعهم في المهالك 

لذا فلا ينتظر إجابة وعوده الكاذبة لهم بذهاب نعم الله الحاضرة عنهم بل هو يسارع بأمرهم بالفحشاء لتتم هلكتهم بفساد الجوارح بعد أن أفسد القلوب منهم بالعقائد والأماني الباطلة ،


ثم تأمل أن العبد أول ما يفتنه عن طاعة ربه هو سوء الظن به تعالى وأسرع باب لذلك -والذي قلما من ينجو منه- هو سوء الظن في أحوال الدنيا وتقلبات الرزق فيها والذي هو على وفق ما طبع الله عليه الحياة الدنيا من ابتلاء وبحسب حكمة الله تعالى واسع الفضل والإنعام فيُضيّق على من يشاء بحكمته ويوسع على من يشاء بفضله ،

وحين يستمكن سوء الظن باتباع وعد إبليس بالفقر في الدنيا والعوز لأي من نعيمها أو أرزاقها يكون العبد حينها مهيئا لارتكاب الفاحشة فيها متى دعي إليها .. 

لذا كان أول ما يُقابل به تلك الحالة المهلكة هو تصديق وعد الله بالمغفرة ..

وترغيبه سبحانه في رجاء فضله ورحمته 

وهو ما يقابل قوله تعالى: {فأما من أعطى واتقى وصدّق بالحسنى ..} وما يقابل التصديق بالحسنى هنا هو تصديق وعد الله تعالى بالمغفرة والفضل منه وحده جل وعلا، كما أن الإعطاء تكذيبا لووعد الشيطان بالفقر، وكذلك التقوى عصيانا لأمر الشيطان بالفحشاء 

فجاء قوله تعالى {فسنيسره لليسرى} وهي فضل الله تعالى في الدارين {والله يعدكم مغفرة منه وفضلا} 

وهي الحسنة المقصودة من دعاء النبي ﷺ 

«ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار»

 {وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى} 

وتأمل مناسبة ذكر (البخل) وهو ما أوّل به السلف الفحشاء في تلك الآية 

لذا كان الاستغناء بالنفس وحظوظها وأماني الشيطان لها هو حقيقة الفقر ،


وتأمل أنه كثير ما يقرن بين الفضل والرحمة كما في دعاء النبي ﷺ 

«اللهم إني أسأل من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت» ولأن الرحمة هي أعظم مرجو ولأن أول درجاتها هي المغفرة لذا قدّم الله تعالى هنا المغفرة على الفضل 

فتقديم المغفرة لأمرين 

- لأنها مقابل أمر الشيطان بالفحشاء

- ولأنها أعظم مرجو يرجوه العبد المذنب وهي أول أبواب الرحمة والفضل فلا تتنزل الرحمة والفضل إلا على من أتى بأسباب المغفرة والعفو ،


وفي هذا إشارة إلى ضعف العباد وكثرة من يستجيب منهم لووعود إبليس الكاذبة لهم بالفقر وأمره إياهم بالفحشاء 

فعاجلهم الله تعالى ببره وإحسانه وكرمه بذكر المغفرة مُقدّمة على غيرها ترغيبا للعباد وتلبية لشدة حاجتهم واحتياجهم لها وللعمل بأسباب الفوز بها ،

بل قال ابن عثيمين فائدة عزيزة: 

قد يقول قائل: هل في الآيتين تطابق؟ أو بالأصح هل تقابل؟ ﴿يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾، لكن الله يقول: ﴿يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾، زاد ولَّا ما زاد؟ 

* الطلبة: زاد.

* الشيخ: يعني يعدنا بشيئين: بالمغفرة والفضل، المغفرة للذنوب والفضل لزيادة المال في بركته ونمائه، 

 إذن نكتسب بالإنفاق هذين الأمرين الذين وعد الله تعالى بهما وهما: المغفرة والفضل.


وأما لما لم يذكر الله تعالى أمرا بشيء في مقابل أمر الشيطان بالفحشاء؟ 


فلأن حال العبد الواقع في سوء الظن بربه والمُستفزّ من عدوّه بفعل ما يسوء ويغضب سيّده ومولاه لا يكون في حاجة أشد من حاجته إلى تصحيح اعتقاده أولا وهو حقيقة التوبة 

والتي أول درجاتها وأعظم أركانها الندم وهو عمل قلبي لا يكون إلا عن انفعال القلب بحسن اعتقاده في الله تعالى وأسمائه وصفاته وأنه وحده الغفور والرحيم وهو بعبده حليم كريم فلم يعاجل عبده بما يسوؤه حال ذنبه بل ستره بستره كما هيّأ له أسباب توبته ومغفرته ..

وفي الحديث القدسي: «مَن عَلِمَ أَنّي ذو قدرةٍ على مغفرة الذنوبِ غفرتُ له ولا أُبالي، مالم يشرِك بي شيئًا» 

فكيف يعصاه العبد! بل وكيف يجرؤ على الإصرار على معصيته! والإعراض عن أمره ونهيه!


 فمتى استقام قلب العبد على ساق الخوف والرجاء بتصديق وعد الله له بالمغفرة وبتصديق رجاء فضل الله تعالى 

وقد تمكّنت من قلبه محبة الله تعالى الدال عليها قوله بعد {والله واسع عليم} متى تحقق في قلب العبد أركان العبودية لله تعالى والمتضمنة القيام بكل أمر والانتهاء عن كل نهي. 


وأمر آخر وهو أن تصديق وعد الله تعالى بالمغفرة .. فللمغفرة أعمال وأسباب لا يستحق العبد المغفرة بدونها وأعظمها الهداية والتقوى 

فأهل الهداية والتقوى هم أرجى الناس لمغفرة الله تعالى وعفوه

فكان التصديق الحقيقي بوعد الله تعالى بالمغفرة يستلزم عمل العبد بأسبابها من (العلم النافع) = وهو حقيقة الهداية و(العمل الصالح) = وهو حقيقة التقوى ليكون جديرا بالمغفرة والعفو 


وهذا ما يدعونا لتذكّر مفردات دعاء النبي ﷺ المأثور:

«اللهم إني أسأل الهدى والتقى والعفاف (وفي رواية: والعفة) والغنى» 


❍ فالهدى يتحقق بتصديق وعد الله تعالى بالمغفرة تصديقا عن علم نافع مثمر لليقين في قلب العبد وما يستلزم هذا من المسارعة والعزم والنيّة على طلب أسباب المغفرة -والتي أعظمها امتثال الأمر- والتي معها يستحق العبد الغفران ومحو آثار الذنوب عنه دنيا وآخرة 


❍ والتقوى حقيقتها اجتناب النهي والمباعدة عن الأعمال التي يستوجب بها العقاب والعذاب وتأتي في مقدمتها الفواحش من المنكرات وأهل التقوى هم أولى الناس بوعد المغفرة 


● فالذي يتحقق به تصديق وعد الله تعالى بالمغفرة والفضل = هو صحة العقائد بالهدى واستقامة الجوارح بالتقى 

فتكون الهداية والثبات عليها حينها لأهل التقوى نعمّ العِلاوَة والفضل 

{وٱلذین ٱهتدوا زادهم هدى}

وقال تعالى عن عباده الصابرين: {أولـٰىٕك علیهم صلو ٰ⁠ت من ربهم ورحمة وأولـٰىٕك هم ٱلمهتدون}

قال عمر -رضي الله عنه-: نعمّ العِدلان ونعمّت الْعِلاوَة فالعِدلان الصلاة والرحمة، والعِلاوَة الهداية.

وهي المقصودة بوعد الله تعالى بالفضل هنا، فالفضل يعمّ خيري الدنيا والآخرة،


❍ والعفة والعفاف حقيقتها سلوك من العبد -عمل جوارح خاصة- لا يستوي إلا على ساق اليقين في عفو الله تعالى ومغفرته 

فمتى وقع في قلب العبد ظن سوء في ربه أن لا يغفر له ويمحو عنه أثر ذنبه متى انطلقت جوارحه في معصية ربه والاستهانة بأمره 


❍ والغنى هو ما يقابل فضل الله الواسع العليم وحقيقته الاستغناء بالله والثقة في عطاء الرب سبحانه وتعالى وخُلْفِه وكرمه على عبده 

وتحقق قلب العبد من الرضا عن رزق الله تعالى وقضائه له وقدره كرضاه عن أمره ونهيه. 

{بقیّت ٱلله خیرٌ لكم إن كنتم مؤمنین}


● وبالعفة وهي أخص التقوى ما = يُقابَل به مباشرة أمر الشيطان بالفاحشة 

كما بالغنى بالله تعالى والمُتضمّن رضا العبد عن ربه = يدفع العبد عن نفسه كل آثار لمّة الشيطان في قلبه وإيعازه له بالفقر، فيكون غنيّا حقيقة بالله تعالى لا بغيره ،


فجمع دعاء النبي ﷺ بمقابلة معانيه تضرعا صادقا إلى الله تعالى بتصديق ما جاء في الآية من الوعد الكريم ، 

فسبحانك ربّي.


#سلسلة_من_الوقفات


راجع في التعليقات قطوفا ⏬

من أقوال أهل العلم في تفسيرها 

تعليقات

  1. والبخل داء عظيم، قال " ولا داء أدوى من البخل ".
    [السمعاني]


    والفاحش عند العرب: البخيل. قال طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ:
    أرى المَوْتَ يَعْتامُ الكِرامَ ويَصْطَفِي ∗∗∗ عَقِيلَةَ مالِ الفاحِشِ المُتَشَدِّدِ
    [محاسن التأويل]
    و[أبو السعود]


    عن ابن عباس قال: ثنتان - يعني من الله - وثنتان من الشيطان ﴿الشيطان يعدكم الفقر، ويأمركم بالفحشاء﴾ يقول: لا تنفق مالك وأمسكه عليك، فإنك تحتاج إليه.

    وعن منصور ﴿الشيطان يعدكم الفقر﴾ قال: طول الأمل.


    وعن عكرمة، عن ابن عباس ﴿الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء﴾ بالسوء.
    ..
    وعن مقاتل بن حيان قوله: ﴿ويأمركم بالفحشاء﴾ يعني: المعاصي،

    وعن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: ﴿بالفحشاء﴾ يقول: الزنا، وروي عن الحسن، وعكرمة، والسدي، مثل ذلك.


    عن ابن عباس ﴿والله يعدكم مغفرة منه﴾ على هذه المعاصي.

    عن قتادة في قوله: ﴿والله يعدكم مغفرة منه وفضلا﴾ يقوله: مغفرة لفحشائكم. قال ابن المبارك: الفحشاء: أي المعاصي.

    وعن مقاتل بن حيان قوله: ﴿والله يعدكم مغفرة منه﴾ لذنوبكم عند الصدقة.

    وعن ابن عباس ﴿والله يعدكم مغفرة منه وفضلا﴾ قال: في الرزق.

    وعن قتادة: ﴿والله يعدكم مغفرة منه وفضلا﴾ قال: فضلا لفقركم.
    ..
    وعن مقاتل بن حيان قوله: ﴿والله يعدكم مغفرة منه وفضلا﴾ يعني: أن يخلفكم نفقاتكم.
    [ابن أبي حاتم]



    ﴿الشيطان﴾ أي الذي اسمه أسوأ الأسماء، فإنه يقتضي الهلاك والبعد، وأحد الوصفين كاف في مجانبته فكيف إذا اجتمعا! ﴿يعدكم الفقر﴾ المانع من الإنفاق. قال الحرالي: الذي لخوفه تقاطع أهل الدنيا وتدابروا وحرصوا وادخروا. وكل ذلك لا يزيل الفقر، كل حريص فقير ولو ملك الدنيا، وكل مقتنع غني، ومن حق من كان عبدا لغني أن يتحقق أنه غني يغني سيده، ففي خوف الفقر إباق العبد عن ربه؛ والفقر فقد ما إليه الحاجة في وقت من قيام المرء في ظاهره وباطنه. انتهى.
    ﴿ويأمركم بالفحشاء﴾ المبطلة له من المن والأذى وغيرهما من مستلذات الأنفس وربما كان فيها إتلاف الأموال وإذهاب الأرواح. وقال الحرالي: وكل ما اجتمعت عليه استقباحات العقل والشرع والطبع فهو فحشاء، وأعظم مراد بها هنا البخل الذي هو أدوأ داء، لمناسبة ذكر الفقر، وعليه ينبني شر الدنيا والآخرة ويلازمه الحرص ويتابعه الحسد ويتلاحق به الشر كله [انتهى] وفيه تصرف.

    ولما ذكر ما للعدو من الشر أتبعه سبحانه وتعالى بما له من الخير فقال مصرحا بما تقدم التلويح به:﴿والله﴾ أي الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى الرحيم الودود ﴿يعدكم مغفرة منه﴾ لما وقع منكم من تقصير، وفيه إشعار بأنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره لما له من الإحاطة بصفات الكمال ولما جبل عليه الإنسان من النقص ﴿وفضلا﴾ بالزيادة في الدارين، وكل نعمة منه فضل؛ ثم أكد ذلك بقوله: ﴿والله﴾ أي المحيط بكل كمال ﴿واسع﴾ لتضمنه معنى حليم غني، وأتبعه بقوله: ﴿عليم﴾ إشارة إلى أنه لا يضيع شيئا وإن دق. قال الحرالي: وفي إشعاره توهين لكيد الشيطان ووعد كريم للمفتون بخوف الفقر وعمل الفحشاء لما علمه من ضعف الأنفس وسرعة قبولها من الوسواس.
    [البقاعي]


    قال ابن عثيمين -رحمه الله-:
    والشيطان اسم من أسماء إبليس قيل: إنه مشتق من (شطَن) إذا بعُد، وعلى هذا فالنون أصلية. وقيل: إنه مشتق من (شاطَ) إذا تغيظ وغضب؛ لأنه هو صفته التغيظ والغضب والحمق والجهل، ولكن الأول أقرب إنه من (شطن) إذا بعد بدليل أنه مصروف، قال الله تعالى: ﴿وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ [الحجر ١٧]
    وصرفه دليل على أن النون؟ أصلية ولا زائدة؟
    * الطلبة: أصلية.
    * الشيخ: أصلية، وإنما كان كذلك؛ لأن الله أبعده في قوله: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾



    ﴿الشيطان يعدكم الفقر﴾ أي يخوفكم بالفقر،
    ...

    ومعنى الآية: أن الشيطان يخوفكم بالفقر ويقول للرجل أمسك عليك مالك فإنك إذا تصدقت به افتقرت ﴿ويأمركم بالفحشاء﴾ أي بالبخل ومنع الزكاة، وقال الكلبي: كل الفحشاء في القرآن فهو الزنا إلا هذا ﴿والله يعدكم مغفرة منه﴾ أي لذنوبكم ﴿فضلا﴾ أي رزقا خلفا ﴿والله واسع﴾ غني ﴿عليم﴾
    أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي، أخبرنا أبو طاهر الزيادي أخبرنا محمد بن الحسين القطان أخبرنا أحمد بن يوسف السلمي، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال: حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ "إن الله تعالى يقول: ابن آدم أنفق أنفق عليك" وقال: قال رسول الله ﷺ "يمين الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء (، أي دائمة.) الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم ينقص ما في يمينه ﴿قال﴾ وعرشه على الماء وبيده الأخرى القسط يرفع ويخفض"
    ...
    وعن فاطمة بنت المنذر عن أسماء أن رسول الله ﷺ قال لها "أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي (الإيعاء جعل الشيء في الوعاء، وأصله الحفظ) فيوعي الله عليك"
    [البغوي]

    ردحذف
    الردود
    1. {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء}

      فهذا وعده وهذا أمره. وهو الكاذب في وعده، الغار الفاجر في أمره. فالمستجيب لدعوته مغرور مخدوع مغبون. فإنه يدلي من يدعوه بغروره. ثم يورده شر الموارد، كما قيل:
      دلاهم بغرور، ثم أوردهم ∗∗∗ إن الخبيث لمن والاه غرار

      هذا وإن وعده له الفقر ليس شفقة عليه، ولا نصيحة له، كما ينصح الرجل أخاه ولا محبة في بقائه غنيا، بل لا شيء إليه من فقره وحاجته. وإنما وعده له بالفقر وأمره إياه بالبخل ليسيء ظنه بربه، ويترك ما يحبه من الإنفاق لوجهه، فستوجب منه الحرمان.
      وأما الله سبحانه إنه يعد عبده مغفرة منه لذنوبه، وفضلا بأن يخلف عليه أكثر مما أنفق وأضعافه أما في الدنيا أو في الدنيا والآخرة.
      فهذا وعد، الله وذاك وعد الشيطان. فلينظر البخيل والمنفق أيّ الوعدين هو أوثق؟ وإلى أيهما يطمئن قلبه وتسكن نفسه؟
      والله يوفق من يشاء، ويخذل من يشاء. وهو الواسع العليم.

      وتأمل كيف ختم هذه الآية بهذين الاسمين ﴿واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾
      فإنه واسع العطاء عليم بمن يستحق فضله ومن يستحق عدله، فيعطي هذا بفضله، ويمنع هذا بعدله. وهو بكل شيء عليم.

      [ابن القيم]

      حذف
  2. وإياكم أن تتبعوا عدوكم الشيطان الذي يأمركم بالإمساك، ويخوفكم بالفقر والحاجة إذا أنفقتم، وليس هذا نصحا لكم، بل هذا غاية الغش ﴿إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير﴾ بل أطيعوا ربكم الذي يأمركم بالنفقة على وجه يسهل عليكم ولا يضركم، ومع هذا فهو ﴿يعدكم مغفرة﴾ لذنوبكم وتطهيرا لعيوبكم ﴿وفضلا﴾ وإحسانا إليكم في الدنيا والآخرة، من الخلف العاجل، وانشراح الصدر ونعيم القلب والروح والقبر، وحصول ثوابها وتوفيتها يوم القيامة، وليس هذا عظيما عليه لأنه ﴿واسع﴾ الفضل عظيم الإحسان ﴿عليم﴾ بما يصدر منكم من النفقات قليلها وكثيرها، سرها وعلنها، فيجازيكم عليها من سعته وفضله وإحسانه، فلينظر العبد نفسه إلى أي الداعيين يميل.
    [السعدي]


    ويعدكم معناه يخوفكم الفقر: أي بالفقر لئلا تنفقوا، فهذه الآية متصلة بما قبلها.
    وقُرِئَ " الفُقْرَ " بِضَمِّ الفاءِ وهي لُغَةٌ.
    قالَ الجَوْهَرِيُّ: والفُقْرُ لُغَةٌ في الفَقْرِ، مِثْلُ الضَّعْفِ والضُّعْفِ.
    ...
    الوعد في كلام العرب إذا أطلق فهو في الخير، وإذا قيد فقد يقيد تارة بالخير وتارة بالشر.

    [فتح القدير]



    قال ابن كثير -رحمه الله-:
    عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ "إن للشيطان للمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق. فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان". ثم قرأ: ﴿الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا﴾ الآية.
    ...
    ﴿ويأمركم بالفحشاء﴾ أي: مع نهيه إياكم عن الإنفاق خشية الإملاق، يأمركم بالمعاصي والمآثم والمحارم ومخالفة الخلاق، قال الله تعالى: ﴿والله يعدكم مغفرة منه﴾ أي: في مقابلة ما أمركم الشيطان بالفحشاء ﴿وفضلا﴾ أي: في مقابلة ما خوفكم الشيطان من الفقر ﴿والله واسع عليم﴾

    قال الطبري -رحمه الله-:
    "والله يعدكم مغفرة منه" يعني أن الله عز وجل يعدكم أيها المؤمنون، أن يستر عليكم فحشاءكم، بصفحه لكم عن عقوبتكم عليها، فيغفر لكم ذنوبكم بالصدقة التي تتصدقون="وفضلا" يعني: ويعدكم أن يخلف عليكم من صدقتكم، فيتفضل عليكم من عطاياه ويسبغ عليكم في أرزاقكم. اه



    ردحذف
  3. وقوله ﴿وَفَضْلًا﴾ إذا قال قائل: كيف تكون الصدقة أو الإنفاق من المال فضلًا ونحن نشاهد أنه ينقص؟ فالعشرة إذا أنفق منها درهمًا صارت تسعة، فما وجه الزيادة؟ أو على الأقل ما وجه عدم النقص؟

    * طالب: على وجهين؛ الوجه الأول: أن هذا البركة والزيادة في الآخرة والله سيجزيه حسنات، الشيء الثاني: أن البركة التي تُعطى بركة قد تكون معنوية، وقد تكون حسية في بعض الأحيان فيزيد ماله، فما المعقول في هذا؟

    * الشيخ: نقول: الزيادة! أما بالنسبة لزيادة الأجر في الآخرة فالأمر ظاهِر، إذا أنفقت درهمًا جاءك في الآخرة عشر دراهم إلى سبعمئة درهم، هذه زيادة، لكن إذا أردنا الزيادة الحسية في الدنيا كيف تكون الزيادة؟ قلنا: الزيادة من عدة أوجه:

    الوجه الأول: أن الإنسان قد يفتح الله له باب رزق فيتكسَّب ويزيد المال، أليس كذلك؟
    * الطالب: بلى.

    * الشيخ: ثانيًا: أن هذا المال ربما يقيه الله تعالى آفات لولا الصدقة لوقعت فيه، وهذا مشاهَد، ولهذا عند العامة الآن إذا ضاع للإنسان شيء ثم وجده بعد يقولون: هذا مال مُزكّى، يعني عند العامة إن المال إذا زُكِّي فالزكاة تقيه الآفات، واضح.

    الشيء الثالث مما يزيده: هو البركة، البركة في الإنفاق، إذا نُزعت البركة من الإنفاق فقد يُنفق الإنسان عشرين درهمًا في أمور ما تنفعه، وإذا حلت البركة صار الإنفاق اليسير يقضي به الإنسان حاجات كثيرة، وهذا شيء مشاهَد،

    وأظن أني قد حكيت عليكم قصة وقعت مع رجلين اقتسما ثمر نخل، وكان ذلك في رمضان، أما أحدهما فقال: سأجذ الثمرة في رمضان نهارًا من أجل أن لا يحضر الفقراء فيأكلوا منه.
    * الشيخ: لا، نهارًا، بالليل يجيون يأكلون.
    أما الثاني فقال: أؤجل جذاذ النخل إلى الفطر وأجذ في النهار حتى يأتي الناس ويأكلون، شوف، وقُسم الثمر وقال أحدهما للآخر: تخيّر، خذ الذي تريد، فأخذ ما يرى أنه الأكثر، الذي أخذه مَن؟ البخيل، أخذ النصيب الذي يرى أنه الأكثر (...) لما جذوا النخل صار سهم الكريم الذي جذه بعد الفطر وأكل الفقراء منه كثيرًا صار أكثر من ذاك، فتخاصم الرجلان إلى القاضي، وادعى البخيل أن القسمة غلط مع أن الكريم كان قد خيّره، لما ترافعا إلى لقاضي قال: طيب، خيّرك؟ قال: نعم، قال له: اخترت سهمك؟ قال: نعم، لماذا؟ قال: لأني رأيته أكثر. قال: أقررت على نفسك الآن، كيف تطالب؟ ثم قال الكريم: إن القصة كذا وكذا وكذا، هو جذه في النهار في رمضان ولم يحضره فقير يأكل، وأنا أخّرته، ولما صار يوم العيد قلت للناس: إننا سنجذ النخل في اليوم الفلاني فمن شاء منكم أن يحضر فليحضر، وحضر المساكين كثيرًا وأكلوا، فقال له الشيخ: هذا مصداق قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ» شوف سبحان الله العظيم، هذا الشيء يعني مشهور عندنا في البلد .
    [ابن عثيمين]

    ردحذف
  4. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن أبواب التشاؤم لا يفتحها إلا الشياطين؛ لقوله: ﴿يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ فالشيطان هو الذي، يفتح لك باب التشاؤم، يقول: إذا أنفقت، أنت الآن عندك عشرين ريال، أنفقت عشرة اليوم، واليوم الثاني خمسة، كم بقي؟ خمسة، وبكرة ثلاثة، بقي ريالين، وبعده ريالين أصبحت فقيرًا، لا تنفق، الإنسان بشر ربما ما ينفق، ربما ينسى قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [سبأ ٣٩] وقول رسوله ﷺ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ».


    * من فوائد الآية الكريمة: بيان عداوة الشيطان للإنسان؛ لأنه في الواقع عدو له في الخبر، وعدو له في الطلب، في الخبر يعده أيش؟ الفقر، في الطلب يأمره بالفحشاء، فهو عدو مخبرًا وطالبًا، والعياذ بالله.
    * من فوائد الآية الكريمة: أن البخل من الفواحش، صح؟ لأيش؟ لأن المقام مقام إنفاق، فيكون الذين يأمرنا به الشيطان عدم الإنفاق، لكن هل إن البخل هو الفاحشة أو أنه من الفاحشة؟ من الفاحشة، نحن ذكرنا في أثناء التفسير أن الفاحشة جاءت لغير هذا المعنى في عدة آيات.
    * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الشيطان يأمر بعد الوسوسة والتهويل والتشاؤم يأمر أمسك.
    ..

    كلمة أمسك أشد من كلمة لا تنفق، كأنه يقول: لا تنفق وشدِّد في الحفظ أمسك.
    هل هناك أحد يأمر بهذا غير الشيطان؟
    * الطلبة: نعم.
    * الشيخ: وأيش هو؟
    * طالب: النفس.
    * الشيخ: النفس ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ [يوسف ٥٣].
    هل يمكن أن نقول: إنه يستفاد من الآية أن من أمر شخصًا بالإمساك عن الإنفاق فهو شبيه بالشيطان
    ..
    * الشيخ: كذا؟ صحيح، الذي يأمر الناس بالإمساك عن الإنفاق المشروع ما هو الإنفاق الغير المشروع شبيه بمن؟ بالشيطان. الذي يأمر غيره بالإنفاق المبذر؟
    * طالب: من إخوان الشيطان.
    * الشيخ: المبذر أخو الشيطان ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ [الإسراء ٢٧] والآمر له بالتبذير؟ الظاهر أنه شيطان؛ لأنه كل من يأمر بالسوء يأمر بالفحشاء فهو شيطان.


    ومن فوائد الآية الكريمة: شوف هذا الوعد، الوعد الكريم اللذيذ ﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾ الله أكبر، شتان ما بين الوعدين، الشيطان يعدكم الفقر ﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾.
    قد يقول قائل: هل في الآيتين تطابق؟ أو بالأصح تقابل؟ ﴿يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾، لكن الله يقول: ﴿يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾، زاد ولَّا ما زاد؟
    * الطلبة: زاد.
    * الشيخ: يعني يعدنا بشيئين: بالمغفرة والفضل، المغفرة للذنوب والفضل لزيادة المال في بركته ونمائه، واضح ولَّا لا؟ إذن نكتسب بالإنفاق هذين الأمرين الذين وعد الله تعالى بهما وهما: المغفرة والفضل.
    [ابن عثيمين]

    ردحذف
  5. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذه المغفرة التي يعدنا الله بها مغفرة عظيمة. ﴿مِنْهُ﴾ لأيش؟ لأن عظم العطاء من عظم المعطي، ولهذا جاء في الحديث الذي وصى به النبي ﷺ أبا بكر قال: «فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي». ومعلوم أن العطية بحسب المعطي، ﴿مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾.

    * ومن فوائد الآية الكريمة: أن التفاؤل من الله، من أين؟
    * الطلبة: يعدكم الله.
    * الشيخ: ﴿يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾ فإذا تفاءل الإنسان على ربه إذا أنفق، وهو يحسن الظن بالله عز وجل أن الله يغفر له الذنوب، ويزيده من فضله كان هذا من خير ما تنطوي عليه السريرة.


    فائدة
    الاسم من أسماء الله قد يتضمن إذا جمع إلى غيره صفة أخرى ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء ٤٣] شوف الجمع بين العفو والقدرة، لها ميزة أن عفوه غير مشوب بعجز إطلاقًا .اه

    [ابن عثيمين]

    واسع عليم أفاد صفة ثالثة وهي سعة علمه سبحانه أن علمه واسع، وكل صفاته واسعة، وهذا مأخوذ من اسمه الواسع، علمه، سمعه، بصره، قدرته كل صفاته واسعة محيطة .

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المداخلة منظمة دولية!!

المُلثَم والمَوْلِد .. !

مصطفى العدوي إلى أين..!!